الله سبحانه وتعالى يخاطبنا في القرآن الكريم بأسمائه الحسنى كلها، ويحذِّرنا من الوقوع في شهوات الدنيا وسوء المصير بعدها، ويبيِّن لنا طريق النجاة؛ وهو التفكير بخلقنا لنؤمن به تعالى، يقول جلّ شأنه في سورة الواقعة:
- ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ﴾:
من خلقك في بطن أمك؟ يد من التي جعلت لك عينين ولساناً وشفتين، ويدين وأصابع؟ من أمدَّك بالحليب من ثديي أمك حين خرجت للدنيا؟
﴿فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ﴾: مع كل هذا العطف والحنان والإحسان لا تصدقون! لماذا لا تفكر؟ إن فكر الإنسان بهذه اليد التي خلقته وركبته وتمده بالحياة والهواء والماء والطعام، وجاهد بهوى نفسه المهلك وطلب الحق والحقيقة بصدق عندها يؤمن بالله، فيجعل له تعالى نوراً فيشاهد الحقائق ويتنازل عن كبره على ربه. إن لم يشاهد بدايته أنه كان نطفة يظلُّ متلبساً بكبره ويتبع إبليس ويتَّخذه أباً ويترك أباه آدم عليه السلام ويُبْلِس عليه الأمر.
- ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ﴾:
من الذي كوَّن هذا الماء في الإنسان، ثم جعل منه النسل؟ هل فكرتم ورأيتم أنكم خُلقتم من هذه النطفة؟ هل شاهدتم فضل الله عليكم وإحسانه إليكم بهذا الخلق؟ أم اتبعتم شهوتكم فقط، رأيتم هذه اللذة وهمتم بها ولا ترون مَن يمدّكم بها؟ والعهد مع الله خلاف ذلك.
العهد: أن تستنيروا بنوره ولا تنقطعوا عنه سبحانه لتروا فضله عليكم وإحسانه إليكم فتقبلوا عليه تعالى.
- ﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾:
هل الأب خلق النطفة وكوَّن منها ابنه! هل أبوك خلقك؟ هل كان يعرفك وأنت في بطن أمك ذكراً أم أنثى؟ مَنْ أطعمك وسقاك وأمدك بالنماء وبكل مستلزمات الحياة وأنت في رحم أمك؟ فهل ينساك بعد أن أخرجك إلى الدنيا وهو الذي لم ينسَك ببطن أمك؟
﴿أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾: أليس هو الله سبحانه الذي سخر السماء والأرض والشمس والقمر، بل الكون كله فكان النتاج فاكهةً وأثماراً أكلها الأب فتكونت النطفة، ثم خُلقت منها أيها الإنسان، وكوَّن لك تعالى هذه الأعضاء والأجهزة؟ لِمَ لا تتوجه لربك بالمحبة وتؤمن به تعالى من خلال تفكيرك بهذا الإحسان فتلتفت إليه على الدوام وتستنير بنوره؟ إن مات الإنسان على غير إيمان وبلا نور ذهب إلى الظلام وحلَّ به الشقاء والرعب والآلام.
ربك يحذِّرك ويقول لك فكر لتؤمن وتنال السعادة والنور والجنات.
- ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾:
هذا طريق الخلاص من الشقاء، لذلك حتى تستطيعوا أن تفكروا بكل ما سبق من آيات، فكروا بالموت وبساعة الرحيل وزوالكم الحتمي عن الدنيا، الكل سيموت، فهل دامت الدنيا لأحد من قبل، أنبياء، ملوك أو رؤساء؟ اعلموا أن الذي تركضون وراءه الآن سوف يزول عنكم ولا يبقى لكم منه شيء، ستموتون وتتركون كل شيء، الله سبحانه قدَّر بينكم الموت فلكلٍّ أجل، منكم من يموت شاباً ومنكم من يموت رجلاً أو طاعناً في السن.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾: لا يستطيع أحد الهروب من الموت. قالوا سيطرنا على الطبيعة وهيمنَّا على العالم، ولكن أليس بعد مدة بسيطة من الزمن سيموتون وسيصبحون تراباً تطؤهم الأقدام! ما سبقوا إرادة الله، وكل شيء فعلوه بهذه الدنيا وقاموا به كان بإرادة منه تعالى ومن بعد إذنه وعلى مستحقين ظالمين أمثالهم، لا إلۤه إلا الله، لا فعَّال ولا مسيِّر غيره سبحانه وتعالى ويده مهيمنة على الكل، لكنهم بالحقيقة تركوا الله فخسروا كل شيء.
- ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾:
كم أتى على الأرض من أقوام اخترعوا وحكموا وسيطروا وتمتعوا بدنياهم، والآن أين هم؟ هل ترون منهم أحداً، كل الأجيال الماضية ذهبت بالموت، فمن كان يمدها بالحياة والنماء والطعام والشراب؟ كذلك أنتم سوف تذهبون ويأتي غيركم، الكل فانٍ. ﴿وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾: لا يعلمون شيئاً عمَّا بعد الموت وما سيكون حالهم في القبر وفي الآخرة، لو آمنوا بالله لشاهدوا ما بعد الموت من أهوال وما عملوا من سوء.
المؤمن آمن بربه وصار له نور منه تعالى وشفاعة برسول الله عليه الصلاة والسلام، بنوره تعالى يشاهد ويعلم ما في الآخرة.
- ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾:
رأيتم كيف تُخلق أولادكم وممَّ خُلقوا، فهل أنتم شاهدتم بدايتكم؟ كنتم نطفة مثلهم. أليس هو الله الذي خلقكم ويربيكم ويمد الكون من أجلكم؟ فعلامَ التكبر؟ لِمَ لا تتنازلون عن كبركم وعن العجب بأنفسكم فتفكِّرون بالبداية؟!
﴿فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ﴾: ألا تفكرون بهذا وتذكرون فضل الله عليكم وإحسانه؟ لو فكروا بخلقهم وببدايتهم لآمنوا وشاهدوا أن لا إلۤه إلا الله ولشاهدوا ما سيحدث معهم في القبر وفي الآخرة ولتذكروا الجنة التي كانوا فيها، ولتفتّحت بصائرهم وتخلَّوا عن حب الدنيا، فالإيمان بالبداية مرتبط بالإيمان بالنهاية. أرسل الله النبيين والكتاب لتتذكر أيها الإنسان أنك كنت مع الله تعيش بجنته قبل مجيئك للدنيا، لكنك عندما انقطعت عنه تعالى وتحوَّلت عن جنته نسيت هذا.
الأنبياء الكرام عليهم السلام جاؤوا ليذكِّروك ويرشدوك، إن فكرت برسول الله ﷺ وببيانه العظيم عظّمته وقدّرته، إن صار لك التعظيم لرسول الله صرت مع الله لأنه ﷺ مع الله لا ينقطع عنه طرفة عين.