سبحانه وتعالى رب الكون كله، رب العالمين، ولا ربَّ سواه... من الذي ينزل الأمطار؟ من الذي ينبت الزرع؟ من الذي يربيك يا إنسان؟ الآن هذا التضييق كله لإيقاظك، جفاف المياه، قلة المحصول، كله للتوبة، للرجوع إلى الله.
إن سلكت صراطه سبحانه وتعالى المستقيم سعدت دنيا وآخرة. مراد الله من مجيئك للدنيا أن تعمل أعمالاً ليبيضَّ وجهك وتقبل بها فتنال الجنَّة. الله تعالى خلق الكون كله، لم يخلقه عبثاً بل خلق البشر للسعادة، فقاموا بأعمال تحرمهم من السعادة، فضيَّق عليهم. فالله تعالى على حسب الصدق يعطيك.
فمن لايؤمن الآن ... ما حاله غداً يوم القيامة! عندما يرى أحدهم نفسه وثوبها الدنس، يحترق خجلاً وأسفاً... يقول سبحانه وتعالى في سورة مريم:
- ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ﴾: أسمعهم بحالهم، بأعمالهم الآن، قل لهم: أهكذا الإنسان الصحيح يفعل! عرِّفهم بحالهم كيف تكوَّن الإنسان عند الولادة. الآن: الكون من يسيِّره؟! ﴿وَأَبْصِرْ﴾: أنت يا محمّد أسمعهم وأبصرهم بمصير من سبقهم من المعرضين، عرِّفهم بحالهم ونتائجهم. ﴿يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾: يوم القيامة، ما سيكون عليه حالهم يوم يأتوننا؟! ﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ﴾: من ظلم نفسه اليوم. ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾: ضلاله مكشوف، لكن الأعمى لا يراه.
- ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾: ساعة الوفاة عند انحسار إمداد الروح للجسد.
"الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" عند الموت يرى فيتحسَّر على ما ضيَّع، ساعة الموت ما يكون مصيرك؟ وحدك لا صاحب ولا صديق. ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾: المسألة انتهت، متى مات الإنسان فلا طريق له، انتهت الفرصة. ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾: عن هذه الساعة رغم هذا الشيء. ﴿وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: لا إيمان عندئذ. ما دام في غفلة عن الموت لا يؤمن.
يوم تموت أيها الإنسان إذ لم تبقَ لك رجعة، كيف يكون حالك، كم تتحسَّر؟! هذا الإنسان عندما ينزل إلى قبره يغدو أعمى، لماذا؟ الآن لعينه عدسة تخطف صور الأشياء بواسطة النور، هناك في القبر لا تبقى له عين، فكيف يرى؟ لكن المؤمن له نور من ربه يرى به.
أما الكافر في القبر فلا يرى إلا أحواله، يرى أن الله خلقه في الدنيا للسعادة فتركها ولحق السفالة، يرى نفسه وما فيها فيتحسَّر، فُطِرَ الإنسان على حب الكمال، ساعتها يرى نفسه منحطاً، وليسلِّيه الله عمَّا هو فيه يسلِّط عليه عمله بصورة ثعبان أقرع فيخافه، عندها يقول له: أنا عملك لا أفارقك.
خُلق الإنسان في الدنيا لينال السعادة، فلما جاءها حرم نفسه منها. كذلك حاله في الدنيا؛ يعيش في ضنك رغم ما لديه من مال ومراتب {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} سورة طه – الآية:124.
الصحابة الكرام رأوا حقيقة الدنيا سوداء نتنة، وسيدنا علي رضي الله عنه بإقباله على الله رأى حقيقتها فطلَّقها بالثلاث، وقال: "يا دنيا غرِّي غيري ... قد طلقتك ثلاثا "
﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾: حلَّ به الموت ولم تبق له رجعة، فإن لم يفكِّر الإنسان أضاع سعادته. ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾: فإن لم يفكِّر بنزول القبر والحساب والملكين فلن يصْدق بطلب الحق ولن يؤمن. ﴿وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: ما داموا في هذه الغفلة.
بالتفكير بالأصل والتكوين من نطفة يتصاغر الإنسان فلا يرى وظيفته ولا قوته، بل يرى أنه لا شيء. عندها يفكِّر بالموت فيخاف فيعرف المربي، المسيِّر، فيستقيم ويصلِّي. فإن لم تسلك هذا الطريق فلا جدوى لك.
- ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا﴾: سيأتي يوم كلُّ الخلق يعودون إلينا. ﴿وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾: فكِّر بنفسك، أين من قبلك، وهذا المال لمن سيرجع، ما نهايته؟