نورد كلمة موجزة نبين فيها المراد من العمل الصالح الذي يتطلبه الله تعالى من الإنسان، والذي يورده سبحانه دوماً مقروناً إلى الإيمان في كثير من الآيات القرآنية الكريمة، وما أكثر ما تجد في القرآن الكريم كلمة: {الَّذِينَ آمَنُوا} وتتبعها كلمة: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}... فنقول:
العمل الصالح: هو العمل الذي يجعل النفس صالحة للإقبال على الله والدخول في ذلك الجناب العالي والفوز بنعيم ذلك القرب الإلۤهي الذي لا تجد النفس الإنسانية المؤمنة شيئاً أحب إليها منه ولا أمتع ولا أجمل حتى ولا تشعر بسعادة في الحياة أعظم من تلك السعادة المعنوية التي تشعر بها في ساعات ذلك القرب من تلك الذات العلية.
العمل الصالح: هو ذلك العمل الذي إذا رآه الإنسان كان سبباً في توليد الثقة في نفسه وبعث الاطمئنان فيها وتعريفها برضاء الله عنها وهنالك تستطيع أن تقبل عليه تعالى فتعُبّ من نعيم ذلك الإقبال عبّاً متواصلاً لا حد له ولا انتهاء.
العمل الصالح: هو العمل الذي يجعل النفس تقبل على الله تعالى فإذا هي في صلة معنوية بذلك الجناب العالي الرفيع وإذا هي في صلاة.
العمل الصالح: هو العمل الذي يصلح لأن تدخل النفس به غداً في جنات النعيم فإذا هي منغمسة بذلك النعيم انغماساً لا تنبغي عنه حولاً.
ذلك طرف من التعريف بالعمل الصالح الذي يستطيع الإنسان أن يعمله في هذه الحياة فيكون سبباً في تبليغه تلك المنازل العالية التي خلقه الله تعالى من أجلها وأخرجه إلى الدنيا ليسعى إليها وما سوى ذلك من مباهج الحياة ومحاسنها فليس يعد إلى جانب العمل الصالح شيئاً مذكوراً.
أما وقد عرّفتك بطرف من المعنى الذي انطوى عليه لفظ العمل الصالح وبيّنت لك الغاية التي يصل إليها أهل الصالحات من الأعمال فلابد لي من أن أبيّن لك المجالات التي تستطيع أن تباشر فيها الأعمال الصالحة فأقول:
كل عمل تستطيع أن تمد به يد المعونة إلى المحتاج إلى المعونة هو عمل صالح، فبذل المال وإنفاقه في أوجه الخير المختلفة والإحسان، والمشي مع المظلوم في سبيل تخليصه من الظلم والعدوان، وإرشاد ذوي النفوس الضالة عن طريق الحق والرشاد إلى طريق الحق والرشاد، والجلوس في مجالس العلم التي ينهل منها المؤمن المعرفة ابتغاء نقلها إلى الآخرين من الناس، حتى الخطوات التي يخطوها المؤمن إلى هذه المجالس خطوة إثر خطوة، وكذا الظمأ والنصب والمخمصة في سبيل الله وإن شئت فقل: كل عمل فيه بذل وتضحية ومعونة وإحسان سواءً الذي تحسن إليه أكان قريباً أو بعيداً حبيباً أو بغيضاً صغيراً أو كبيراً موالياً أو مجافياً حتى العمل الذي تنقذ به الحيوان من مأزق حل به أو شرك وقع فيه أو أذى انتابه أو مرض استولى عليه كل ذلك يعد عملاً صالحاً تدخل بسببه على الله وتنغمس في لجج من نعيم ذلك الإقبال، شريطة أن يكون لحاصب هذا العمل نية عالية ومقصد شريف؛ وإن شئت فقل ما دامت لك فيه غاية نبيلة وهي طلب رضاء الله وقد عرّفك تعالى بطرف من ذلك بقوله الكريم واصفاً الإخلاص في العمل وتجرّده عن سائر الغايات مما سوى رضاء الله فقال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} سورة الليل: الآية (19-20).
وهكذا فالنية العالية إذا مازجت العمل الصالح وخالطته تجعله صالحاً وقد أشار الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلى ذلك إذ يقول: (إنما الأعمال بالنّيات) "أخرجه البخاري".
وحيث أن هذه النية لا تسمو ولا تكون عالية نبيلة إلا من بعد إيمان بالله ذلك الإيمان الذي أشرنا إليه من قبل ووضّحناه لذا تجد القرآن الكريم دوماً يورد العمل الصالح ويذكره تالياً الإيمان لتعلم أن الإيمان هو الأصل وأنه لا قيمة للعمل بغير الإيمان وقديماً قيل:
(ذرّة من أعمال أهل القلوب توازي عمل الثقلين)