بسم الله الرحمن الرحيم.
يقول سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النحل، الآية 90)
* ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾: خلاصة أوامر الله كلها: حتى تسير بالعدل. ﴿وَالْإِحْسَانِ﴾: وتعامل جميع المخلوقات بالإحسان. فالله تعالى خلق الكون، خلق الخلق، أمرنا بالصوم والصلاة والحج والزكاة لأجل هذا. أمر الله الإنسان أن يسير بالعدل بين الناس، وأن يعامل غيره بالإحسان. ﴿وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾: القريب من معرفتك. خلق الله الخلق لتعامل بعضها بالعدل والإحسان، ليكون لهم وجه أبيض يقابلون به الله غداً، ليدخلوا الجنان. وكل من لم يسر بهذا، فلا صلاة ولا صيام له. فـ{الْعَدْلِ}: يكون بأن لا يفضِّل الإنسان أحداً على أحد، ولو قريبه أو ابنه. {وَالإِحْسَانِ}: لا فرق بين مسلم وغير مسلم، الإحسان لكل مخلوق. ﴿وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾: كلّ محتاج لمعونة أيّاً كان.
ومن يعامل أقاربه فقط بالإحسان هذا ليس بمحسن، الإحسان للخلق كافة، فإذا أعطاك الله فكل محتاج قريب منك ولك عرف به فأحسن إليه. المؤمن محسن لجميع الخلق، هذا الذي يستحق الإحسان غداً، والنعيم عند الله.
والآن إن كان كما يقولون: خلق الله تعالى فريقاً للجنّة وآخر للنار فلم يأمرنا بهذه الأوامر؟ ﴿وَيَنْهَى﴾: بإقباله على الله يغنيه ويرضيه "فوق كل عطاء مادي"، فتنتهي نفسه عن الشهوات المنحطة. ﴿عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾: المسائل المنحطة، السرقة، الزنا، اللواط، كل ما يستحي أن يطَّلع عليه الناس. ﴿وَالْمُنكَرِ﴾: كل ما لا تريده لنفسك، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، والميسر والخمر والسينما. ﴿وَالْبَغْيِ﴾: التعدي على الناس. ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾: إن صلَّيت... عرفت لمَ أخرجك إلى الدنيا، ففعلت المعروف، هذه أوامر الله تعالى، هذا ما يتطلَّبه تعالى منك، الدنيا تعيشها بسلام وسعادة، وكذلك الآخرة.
* ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾: كلنا عاهدنا الله أن نأتي للدنيا ولا ننقطع عن الله طرفة عين. الله تعالى متجلٍّ على الكون كله وكل الكون قائم به، لكن أنت لا تحوّل ظهرك.
الخلق منهم المقبل ومنهم المعرض، لو أقبل الخلق جميعاً لكملوا واستناروا.
﴿إِذَا عَاهَدتُّمْ﴾ صرتم مسلمين، إن كنت عاهدت ربك حقّاً على السير بالحق فأوف بعهدك، فأوفوا بعهد الله الذي عاهدتم به رسول الله ﷺ على السير ضمن أوامر الله. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ...} ﴿وَلَا تَنْقُضُواْ الْأَيْمَانَ﴾: ما يأتيك من الخيرات بطاعتك لله. ﴿بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ بعد أن تأكَّد لك ذلك أنه حق بما توصَّلت إليه بإيمانك، وعاهدت رسول الله ﷺ أو مرشداً فلا تنقض عهدك. ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلَاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾: الله مطَّلع عليك بكل عملك.
* ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً﴾: بعد كل جهد ضيَّعت، امرأة سيدنا نوح عليه السلام مالت لولدها، امرأة سيدنا لوط عليه السلام لقومها، فتراجعتا.
وأنت إن استقمت مدة طويلة ثم أغمضت عينك هلكت، أنت ليكن ميلك للحق، ليس لك وجهة إلَّا إلى الحق.
سيدنا سليمان عليه السلام لما زاد بجري الخيل خجل {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} سورة ص – الآية 34. لو لم يُنِب لظل علمه محجوباً عنه، إن آمنت حقاً فإنك إنما تحسب جانب ربك قبل كل إنسان، "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً..."«¹»
فاحذر ما يخالف عهدك، احذر بعد أن سرت ضمن الحق أن تتخاذل وتفعل شيئاً مخالفاً. لا تكن لك غاية من الغايات الدنيوية. ﴿أَنكَاثاً﴾: تتراجع. ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ﴾: خيركم. ﴿دَخَلَاً بَيْنَكُمْ﴾: فتعاون قريبك دون البعيد وتفضله، لا تُفضِّل أحداً على أحد. ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾: من الخيرات، الصلاة التي قمت بها، ﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ﴾: ليظهر حقيقتك. ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾: كل ذلك سيظهر لك غداً، الأمور كلها محفوظة عنده تعالى.
«¹» "...قيل يا رسولَ اللهِ نصرتُهُ مظلوماً فكيفَ أنصرُهُ ظالماً قال تكفُّهُ عن الظُّلمِ فذاكَ نصركَ إيَّاهُ". سنن الترمذي رقم/2356/.