التنجيم الذي انتشر طيفه القاتم فوق ربوع البلاد الإسلامية عامة ودول العالم ككل؛ فلا تكاد تخلو محطة إذاعية أو سواها من فقرة خاصة تتحدث عن الأبراج، وتزعم تحديد مصير الإنسان وتربطه بهذه الأبراج.
لقد تابع القدماء حركة الشمس عبر الأبراج ليعلموا أيام السنة وتحديد الفصول وقدومها، وينظموا وفقها أعمالهم الزراعية، وللاهتداء في البر والبحر وغير ذلك.
غير أن هذه الأبراج الشمسية أخذها فئة من الناس "المنجِّمون" كي يبنوا عليها ضروباً من الخزعبلات والتكهنات، وليسطِّروا وفقها تنبؤاتهم، فراحوا ينظِّمون على أساسها تنظيماً خرافياً بما تمليه عليهم شياطينهم مسيرة الحياة اليومية لبعض الناس، الذين ما يزالون حتى يومنا هذا يؤمنون بما تحتوي عليه بروجهم الوهمية هذه.
والحقيقة أنه لا علاقة مطلقاً بين حياة الناس والأبراج النجمية، لوجود الأدلة العلمية:
1- إن أقرب نجم في برج الأسد "قلب الأسد" يبعد عنا/ 78/ سنة ضوئية. وأقرب نجم في برج العقرب "قلب العقرب" يبعد/ 230/ سنة ضوئية. وفي برج الثور أقرب نجم يبعد عنا /64/ سنة ضوئية.
وغير ذلك من المسافات المذهلة، فما هو تأثير تلك الأبراج على نفوسنا؟!
إذا كانت تلك الأبراج بنجومها تبعد عنَّا ملايين المليارات من الكيلو مترات، ولا يصلنا من إشعاعها ما نحسُّ به، بل لا يؤثِّر مطلقاً على حياتنا وسلوكنا!
مع العلم أن أسطع نجوم الأبراج "الدبران"، لا تزيد نسبة لمعانه عن 1/1000 مليون من لمعان الشمس.
2- إن حركة الكواكب في منطقة البروج تختلف باختلاف المنطقة التي تنظر منها.
فالمكّوك الفضائي ورجال الفضاء الذين يتحركون بين الكواكب يرون صوراً مختلفة عن تلك التي يراها الإنسان من على سطح الأرض.
فاقتران كوكبين هو تقارب خداع نظر، إذ تبقى المسافات شاسعة جداً ما بين أي كوكب من كواكب منظومتنا الشمسية وأي نجم آخر من نجوم السماء.
3- اقتران كوكبين بينهما مسافات شاسعة كاقتران جبلين تمرُّ بينهما بسهل شاسع واسع فاصل بين الجبلين، فهما أبداً لا يقترنان، فما هي العلاقة ما بين الكواكب والأبراج؟! وما مدى تأثير ذلك مباشرة علينا ؟ لا تأثير إطلاقاً!.
4- علماء الفلك جازوا الفضاء بآلاتهم، بالصواريخ والمكُّوكات والأقمار الاصطناعية، ليستدلوا على الحقائق العلمية للكواكب ومواقعها وأفلاكها.
وراحوا يصنعون المناظير الفلكية العملاقة، التي تجاوزت أقطار عدسات بعضها عشرة أمتار.. وكل هذا لم يَفِهِمْ بالمعلومات الكافية، فكيف يتسنَّى للإنسان الذي (يدَّعي الفلك)، ويحمل بيده كرة زجاجية لا تتجاوز السنتمترات، مراقبة النجوم والكواكب وتغيُّر مواقعها؟! وقد يكون ذلك في غرف مغلقة!
مجرد خزعبلات وخرافات سحرية.
5 -إن التكوين الخلْقي للكواكب لا يختلف عن المادة الأرضية من حجارة وصخور ورمال وغيرها، غير أنها خالية من الحياة، إذ لا ماء فيها ولا هواء عكس ما هو عليه الحال في الأرض، فهل تؤثر على حياتك أو على نفسك الصحراء الكبرى أو سلسلة جبال "حِملايا"؟!
إذن فالمنجمون: الذين يشتغلون "بالتنجيم" على قدر كبير من الجهل بعلم الفلك، وليست بينهم وبينه صلة أبداً.
أما اعتقده المنجمون:
من أن حياة الإنسان يحددها موضع الشمس والقمر والكواكب في البروج ساعة ميلاده، فقسَّموا الكواكب "ذوات الطوالع النحس، والطوالع السعيدة" تخبُّطاً، وهذه المعتقدات من سحر الكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السيَّارة، ويعتقدون أنها مدبِّرة للعالم، وأنها تأتي بالخير والشر، فعجباً ممن يستبدل الكفر بالإيمان، ويعود صابئاً تُغرر به السحرة من حيث لا يدري!!
وما جاء في السنة النبوية:
«خلق هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها..» أخرجه البخاري.
فمن تأوَّل فيها مثل تلك السفاسف أخطأ وتكلَّف ما لا علم له به.
«من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر..» سنن أبي داود.
«من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
والعرَّاف والكاهن والمنجِّم كلهم يدَّعون معرفة الأمور المستقبلية، فمن صدَّقهم كفر بالله ورسوله ﷺ. قال ابن عباس في قوم ينظرون في النجوم: (ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق).
ولعلك تسأل:
- قد يصدق المنجمون، ويروى في الحديث: «كذب المنجمون ولو صدقوا». فكيف يتم علمهم بالمغيبات؟
تبين لنا أن المنجمين سحرة، يستعينون بشياطين الجن من قرائن البشر وقرائن خصمائهم من البشر، وعندما ينوي الخصوم على الكيد والتخطيط لغرمائهم الذين إن كان عليهم استحقاق ومعاصي مما يُنجِح الخصماء في كيدهم، وهذا ما يتحدث به المنجمون للبشر عن المكائد التي ينويها خصومهم، فالقرين بتلك الحالة يعمل على نقل الخبر للسحرة المنجمين، فينقل لهم أسرار نوايا وخطط الخصوم الذين اتَّخذوه قريناً، فما يقع ليس بتنجيم المنجمين، بل باستحقاق ومعاصي الضحية إن وقع.
أما المؤمنون فلا يقع عليهم ضرر نوايا وخطط الخصوم، فإن كان الضحية مستقيماً طاهراً لا ينجح الكائدون، والتنجيم لا يقع، فيكون أماني شيطانية فاشلة.