الإحرام في الحج، والحكمة منه.

من مناسك الحج المعدودة فَرْضاً الإحرام، والإحرام هو نزع الملابس المخيطة واستبدالها بإزار ورداء مقروناً ذلك بنية الحج. وتكون مباشرةُ ذلك والقيام به من أماكن مخصوصة فإذا بلغ القادم من الشام مثلاً أرضاً معينة اسمها رابغ نزع ملابسه هناك واغتسل ثم أحرم للحج، وكذلك القادم من اليمن له مكان خاص به وكل قادم يُحرمُ من ميقاته.

حتى إذا ما أشرفوا جميعاً على مكة كانوا بزيّ واحد وملابس واحدة لا فرق فيها بين ملك وأمير وبين امرئٍ فقير مغمور ليس له ذلك المنصب الدنيوي الكبير. هنالك يتساوى الرئيس مع مرؤوسه والخادم مع سيِّده والوالد مع ولده والتابع مع متبوعه وتسودهم جميعاً روحٌ من المساواة.

يخلع الملك التاجَ عن رأسه فإذا هو حاسر الرأس خِلْوٌ من تلك الملابس التي أفاضها عليه منصبه وإذا هو الآن ليس بملك ولا أمير بل إنما هو عبدٌ من العباد وفرد من الأفراد. هنالك يتخلى ذووا المناصب عن مناصبهم وأصحاب المكانات عن مكاناتهم وأولوا السلطات عن سلطاتهم وقد وقفوا سواسية مع رعاياهم ومنادي الحضرة الإلهية يناديهم:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبيرٌ} سورة الحجرات: الآية (13).

وهكذا فلا يميِّز فرداً عن فرد عند الله إلاَّ إقباله على الله وتقواه فمن كان أتقى كان إلى الله أقرب وعند الله أحظى من سواه. هذه الروح من المساواة إنما يمليها على الحاج ذلك المنسك من الإحرام. إنه إشعار يشعر النفس بخلع الدنيا ومناصبها والتخلي عن زينتها وبهرجها.

وإلى جانب ذلك كله حينما يرى الإنسان نفسه وقد لبس البياض وتلفَّف بالإزار والرداء وأضحى حاسر الرأس مكشوفه تراه يذكر ساعة الموت تلك الساعة الرهيبة التي سيفارق فيها الدنيا فيجرَّد من الثياب ويغسّل ويكفّن بالبياض وهنالك وما أعظم ما في الموت من موعظة وذكرى تجدُ هذا الحاج قد زهد في الدنيا زهداً كلياً ولم يبقَ له إلا أن يقبل على الله بوجهه فيتزوَّد من دنياه لآخرته.

ويسير الركب إلى أرض الحرم وتعجُّ هذه الأرض المقدسة بعشرات الآلاف من بني الإنسان جمعتهم على تنائي ديارهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم دعوة الله وكلمته فإذا بعضهم يموج في بعض وإذا هم بياضٌ في بياض وكأنهم قد وقفوا بين يدي الله للحساب والسؤال والجواب في يوم المعاد. هنالك يذكر هذا الحاج ذكرى ثالثة ويعلم أنه سيقف في مثل هذا الموقف في يوم مجموع له الناس وأن الله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل وكل امرئ بما كسب رهين. وهنا يتحفَّز هذا الإنسان وقد أصبح هذا حاله إلى العمل المجدي ويُشيح عن الدنيا بوجهه ويلتفت إلى الله تعالى بكليّته ليؤدي مناسك وأعمالاً إذا هو أدَّاها حقَّ التأدية فقد ظفر بالثمرة المطلوبة من الحج وفاز فوزاً عظيماً.

هذه ناحية من النواحي وذلك شيء يسير من كلمة الإحرام وخلع الثياب وفي الإحرام خير كثير وهو شرط أساسي وركن من أركان الحج التي إن لم يؤدِّها الحاج فلا حجّ له.

فهل نستطيع بعد أن تكلَّمنا بما تكلَّمنا عنه أن نقول إن مناسك الحج عبارة عن أمور شكلية وأعمال تعبُّدية لا يُدْرَكُ معناها؟
أليس الإحرام سلسلة من ذكريات تتذكَّر معها النفس أحوالها متنقِّلة متدرِّجة من حال إلى آخر حتى تخلع معها الدنيا بالكليّة وتتخلى عنها وتقبل على الله بوجهها. وهل يذكِّر النفسَ مذكِّر ويعظها واعظ كالموت وأحواله وكفى بالموت واعظاً.
أليس للنفس قوانينٌ وأنظمة لإقبالها على الله تعالى والوجهة إليه؟ ومن أدرى بقوانين النفس وأنظمتها ممن برأها وأوجدها؟

أفلا يجب على الإنسان أن يطيع خالقه ويأتمر بأمره ويعلم أن جميع ما شرعه له إن هو إلا أصول وقوانين سنَّها سبحانه لهذه النفس البشرية حتى ترقى من حال إلى حالٍ وتصل إلى ما أعدت إليه وخُلِقت له من أسمى مراتب الإنسانية والكمال؟

أسئلة متعلقة بموضوع الحج

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الماضي وكما نعلم أنه لا وجود للطائرات ولا للسيارات وكانوا الحجاج يذهبون لبيت الله لأداء مناسك الحج سيراً على الأقدام ويتحمَّلون أهوال التعب والمشقة، أما الآن فكل شيء تغير أصبح الذهاب والإياب في بضع ساعات دون أي تعب أو مشقة. فهل أجرهم مثل أجرنا؟ ولكم جزيل الشكر والسلام عليكم.

بالنسبة للأجر، فالأجر يكون على قدر المشقّة، ليس أجر من يحجّ مشياً على الأقدام كأجر من يحج راكباً الجمل أو الفرس، وليس أجر هؤلاء كأجر من يحج راكباً السيارة وليس أجر من يركب السيارة كأجر من يركب الطائرة، كلّ له أجر وثواب، فأجر من يركب السيارة أو الباص الآن ويحتاج لوقت طويل ليصل إلى بلد الله الحرام أكبر من أجر من يذهب بالطائرة ويكون هناك في بضع ساعات، فالأول يتحمّل مشاق السفر أكثر فأجره وثوابه أكبر، وهكذا. والله لا يضيع مثقال ذرّة.

ورد في كتاب "درر الأحكام" للعلّامة: أنّ الميقات في مكان يدعى رابغ. ما دليلكم ولم الميقات فيها وما هو الميقات؟ 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهلّ أهل الشام من الجحفة ويهل أهل اليمن من يلملم ويهل أهل نجد من قرن، وهو لهن ولمن أتى عليهن ممن سواهم ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان بيته من دون الميقات فإنه يهل من بيته حتى يأتي على أهل مكة»
(الجحفة): وهي ميقات أهل الشام قديماً وأهل مصر والمغرب وتسمى في هذا الزمان رابغ، سميت بذلك لأن السيول أجحفتها.
أما عن الميقات: فهو المكان الذي إن بلغته أصبح الوقت لتطبيق فريضة الإحرام والدخول في أول مناسك الحج، والإحرام هو نزع الملابس المخيطة واستبدالها بإزار ورداء مقروناً ذلك بنية الحج. وتكون مباشرةُ ذلك والقيام به من أماكن مخصوصة "التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم كما مرّ ذكره أعلاه" وهي الميقات فإذا بلغ القادم من الشام مثلاً أرضاً معينة اسمها "رابغ". نزع ملابسه هناك واغتسل ثم أحرم للحج. وكذلك القادم من اليمن له مكان خاص به.
لمزيد من الشرح حول الحكمة من الإحرام يمكنك الاطلاع على بحث الحكمة من الإحرام في كتاب الحج للعلّامة محمد أمين شيخو.

هل تجوز توزيع الأضحية (الذبيحة) على الكافرين؟
وهل هناك حديث نبوي للإجابة الصحيحة؟
وبارك وغفر الله تعالى لكم أحبائي الكرام.

الأخ الفاضل حفظه المولى الكريم... آمين
الحديث الشريف: «الخلق كلهم عيال الله وأحُّبهم إليه أنفعهم لعياله» على حسب الظروف والأحوال، قال تعالى في سورة البلد (14): {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}: أي مجاعةً أو أيام الحروب والمجاعات أو تاريخياً كالأسرى من النصارى أو الرق أو المؤلَّفة قلوبهم لهدايتهم إلى الله.
{يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ(15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}: تشمل النصارى الذين ليس لديهم شيء من مال وكلنا من تراب.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لقد تفضل العلامة الدمشقي محمد أمين شيخو بالبيان الحق وسؤالي حول فريضة الحج: قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} سورة البقرة 197.
بما أن الغاية من الحج هي نوال التقوى، فلماذا يأمرنا الله تعالى بالتزود بها قبل الحج؟ وما الفائدة إذاً من الحج إن كنت قد نلت التقوى قبله؟
أتمنّى الإجابة على سؤالي وتوضيح معنى الآية الكريمة. ولكم كل الشكر والاحترام و دام فضلكم. 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}: مع المجموع حفظاً عليك. {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ}: يتباعد عن النساء وعن الدنيا بالكليَّة لا يلتفت إلا إلى الله. لأنك ذاهب للطاعة. {وَلاَ فُسُوقَ}: نفسك طيّبة.
{وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}: مع أحد بل يلتهي بنفسه. {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله}: كله يعلمه. {وَتَزَوَّدُوا}: من فعل المعروف كلما قرَّبت زدت مشاهدة. {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ}: منتوجها. {التَّقْوَى}: كلما أقبلت استنرت. {وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}: يا مؤمن اسعَ في هذا الطريق، ثابر، الدنيا مدرسة، كلما اجتهدت نلت: أولي الألباب: كل من فكَّر فعقل ورأى أن لا إله إلاَّ الله فكيفما تحوَّل يرى الله معه، يده تتحرك بالله وعينه تنظر بالله: إن صرت مؤمناً سر إلى الحج لتصل للتقوى.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شاهدنا أنّ الحجاج في بيت الله خليط من الرجال والنساء يطوفون معاً ويصلون معاً دون أي حاجب بينهم، ونحن نعلم أن الاختلاط في الإسلام محرَّم، فما قولكم بهذا وما هو حكمه؟ وجزاكم الله كل خير والسلام عليكم.

بالنسبة للحج فهو كغيره من الفرائض، فرض على البشرية جمعاء، كالصيام مثلاً، فقد فرض على الذين من قبلنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
لكن مع مرور الزمن تهاون الناس في هذه الفريضة شيئاً فشيئاً، حتى تركوا أصولها وتغيّرت، فجاء الإسلام وأعاد الصيام إلى ما كان عليه.
كذلك الحج، فهو بالأصل لا يوجد فيه اختلاط بين الرجال والنساء، لقد كان يوجد وقت مخصّص لطواف الرجال مثلاً ووقت مخصّص لطواف النساء.
إلا أنّه ومع مرور الزمن تهاون الناس في هذا الأمر، وذلك لعدم فهم الحكمة من هذا الفصل بين الرجال والنساء، ولعدم فهم الحكمة من الحجاب. لذلك صار هذا الاختلاط الذي تراه في الحج.
وكل من يذهب إلى الحج فهو ونيّته، فالله يكتب له أجره وينيله ثوابه وما هو أهله، والأجر على قدر الصبر.

المجموع 4 الصفحات
اطلع على المزيد من الأسئلة