بسم الله الرحمن الرحيم
يقول سبجانه وتعالى في سورة البقرة: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
تريد كلمة (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ): تقريع هذا الإنسان المعرض عن الله، الملتهي بدنياه، وتحريضه على التفكير والتعرُّف إلى فضل الله.
أما كلمة (وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً): فهي تشير إلى حال الإنسان قبل خروجه إلى هذه الدنيا لمَّا كان نفساً مجرَّدة عن هذا الجسد المادي.
أين كنت قبل مجيئك للدنيا؟. كيف تكفر بلا إلٓه إلا الله؟
(وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ): الموت هو بطلان الحركة وعدم العمل.
لقد كانت النفس قبل هذه الحياة الدنيا خامدة لا حركة لها، فمن الذي قرن هذه النفس إلى جسدها وأخرجها إلى هذه الدنيا؟ من الذي خلق لها هذا الجسد على هذا الكمال؟ من الذي ضمَّ إليه الروح فجعل فيه الحياة؟ من الذي جعل هذا الإنسان على هذا النظام وفتح أمامه مجال العمل وأهَّله لاكتساب الخيرات؟ أهو فعل ذلك كله بذاته، أم أنَّ هناك يداً عليَّة عليمة قديرة فعلت وتفعل ذلك!.
كل هذه المعاني نستطيع أن نفهمها من كلمة: (وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ)
إذا أنه سبحانه وتعالى أَطْعَم أباك المأكولات حتى صرت نطفة، ألا تفكِّر كيف تخلَّقت هذه النطفة!. ما هذه المأكولات التي وجدت، من أنبتها حتى تكوَّنت منها؟.
ولكن لا تحسبنَّ أنك ستخلد في هذه الحياة الدنيا إلى الأبد، فما دامت لأحد من قبلك حتى تدوم لك وما جعل الله لبشرٍ من قبلك الخُلْد، إن هي إلاَّ أيام معدودات تقضيها وشيكاً وتمرُّ بك سريعاً، ثم يأتيك هاذم اللذات ومفرِّق الجماعات، لقد جئت إلى هذه الدنيا بمهمّة وأنت الآن بمدرسة فسابق وسارع في الخيرات ولا تضيعنَّ عمرك الغالي بتافهات الأعمال، بل اكْتَسِبْه بما يجعلك غداً من السعداء.
فما اقتران النفس بجسدها إلاَّ لتقوم بواجبها وتصل إلى سعادتها الأبدية فإذا ما انقضى الأجل فستنفصل الروح وتخرج النفس من الجسد وسينقطع عملها وترقد رقدة طويلة الأمد تنتهي بها يوم البعث والنشور يوم يقرن الله هذه النفس إلى جسدها ثانية ويعيد إليها الروح، وهنالك تقف بين يدي ربِّها لتؤدي حساباً دقيقاً عمَّا قدَّمت من أعمال وتوفَّى كل نفس بما كسبت وهناك الحسرة والسوء على الكافرين.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الأنعام: الآية (27).
ذلك كله إنما تذكِّرنا به كلمة (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ): ألا تفكِّر بهذا!. (ثُمَّ يُحْييكُمْ): غداً. (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ): للمحاكمة والسؤال والحساب.
كما أن هذه الآية الكريمة تذكِّرنا أيضاً:
أنّ الذي أوجدنا ولم نكُ شيئاً مذكوراً، ثم أحيانا من بعد موتنا وأخرجنا إلى هذه الدنيا، وأن الذي أمدَّنا بالحياة وَمَنِ افتقارنا دوماً إليه، هو الذي يحدِّثنا وهو القادر على أن يحيينا ويصدرنا كما بدأنا أول مرة، وهو أهون عليه.